من ثوابت الرسالات السماوية على مدار التاريخ البشرى، الإنذار والتبشير، والترغيب والترهيب، والثواب والعقاب، لأن الجزاء على الأعمال بالسعادة والشقاوة والجنة والنار، هو غاية العبادة لله عز وجل.
ولقد فطر الله تعالى النفس البشرية مهيأة لهذا الأمر، لا يصلحها سوى شريعة الجزاء بالثواب والعقاب، والطفل خامة بشرية قابلة للتشكيل بالفطرة، والشخص الذي يتولى رعايته في سنوات الطفولة هو الذي يكون سمات وخصائص شخصيته، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث:" ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه"
والطفل الصغير لديه القدرة على فعل الصواب وفعل الخطأ، ولكنه قد لا يعرف الفرق بينهما، فيأتي أسلوب الثواب والعقاب في مقدمة الأساليب التربوية الهامة والأساسية في عملية التربية، وغايته تعليم الطفل الصواب من الخطأ، فيتحفز تجاه الصواب ويثبت عليه، ويمتنع عن تكرار الخطأ وينزجر عنه.
ولكن حتى يؤتي هذا الأسلوب ثماره لابد من ضوابط كثيرة عند منح الإثابة على السلوك الجيد، أو عند إنزال العقاب على السلوك السيئ أو التصرف الخاطئ.
ونفرد الحديث هنا حول أسلوب العقاب، وأحد ضوابطه الهامة وهو:
مراعاة العدل والإنصاف عند معاقبة الأبناء، ومن أهم مظاهره أن :
1ـ لا نوقع العقاب على طفل واحد ونترك بقية المخطئين، فهذا يهز في نفوسهم معاني العدالة والمساواة .
2- لانوقع عقاباً على الطفل وهو بريء:
وهذا يتطلب منا الحذر ومراعاة التيقن من أن الخطأ قد صدر من الطفل وليس من الآخرين ؛ ذلك ان كثيرا ًمن الأطفال يلجئون إلى الكذب الدفاعي أو الانتقامي ، وقد يقدم الواحد منهم قصصاً مقنعة ، فتتحول العقوبة إلى غيره بسببه ؛ لأنه أسنّ وأقوى حجة ، وبعد أن يعاقب الطفل البريء يجلس يجتر مشاعر الظلم والقهر ، ولهذا عواقب وخيمة على نفسه ومستقبله، وحينئذ فإن أبسط حق لهذا المظلوم أن نعتذر له ونطيّب خاطره، لنزيل عنه آثار الظلم، ونعلمه خلق الاعتراف بالخطأ.
3- ليس لنا أن نعاقب الطفل على تصرفات صدرت منه على سبيل الخطأ أو النسيان أو الإكراه:
إنّ الله تعالى برحمته ولطفه بعباده قد تجاوز عنهم في الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله تجاوز عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، وهذه المواقف كثيراً ما تقع للأبناء كأن ينسى أحدهم ما كلفناه به، أو أن تطيش يده عفواً فينسكب الطعام على الأرض، أو يسرع ليناول أمه إناء يعجز عن حمله فينسكب ما فيه، فالله تعالى عفا عن الكبار المكلفين في مثل هذه الحالات، فكيف بالأطفال الصغار الذين لم يبلغوا سن التكليف بعد؟
4- لا نعاقب الطفل على خطأ سبب له ألماً:
لأن هذه الآلام في حدّ ذاتها كانت وسيلة تأديب بالنسبة له، فحسبه إذا ما ناله من ألم، ولا داعي لتوبيخه في هذه الحالة، فغن ذلك يزيده ألماً، خاصةً إذا خسر شيئاً شخصياً كتعطل لعبته مثلاً، أو إصابته بجرح أو لسعة من إناء ساخن، لكن لا مانع أن نشرح له أن سبب ذلك هو عدم التزامه بتعليماتنا أو عدم اكتراثه بتحذيراتنا، وأن عليه أن يتحمل نتيجة عمله، فإذا كانت آلامه كبيرة أجلنا ذلك الشرح ريثما يهدأ ويتحسن.
5- لا نعاقب الطفل لكونه كثير الحركة:
إن كثرة الحركة والنشاط من خصائص مرحلة الطفولة، وهو دليل على سلامة الطفل ونموه بشكل طبيعي، فليس من العدل أن نعاقبه على ذلك، أو أن نقيد حركته، لكن لا مانع من إرشاده وضبط سلوكه.
6- لا نعاقب الطفل إذا كان يعاني من مشكلات خارجة عن إرادته:
فليس من العدل أن نعاقب طفلاً لكونه يعاني من مشكلات واضطرابات نفسية، كالخوف أو الغيرة، أو كانت قدراته العقلية دون المتوسط فأدت إلى انخفاض مستواه الدراسي، لأن العقاب في هذه الحالة يزيد المشكلة تعقيداً، وقد يفرز مشكلات نفسية أخرى!
7- لا نعاقب الطفل أو نخفف من عقابه جداً إن اعترف بخطئه:
وإلا فإن الإصرار على معاقبته رغم اعترافه سيدفعه إلى عدم الاعتراف بأي خطأ في المستقبل.
8- ليكن العقاب على قدر الخطأ:
فلا نوقع العقاب الصارم على الخطأ البسيط، كما لا يصح إهمال العقاب على خطأ جسيم.
9- لا نعاقبه لخطأ صدر منه لأول مرة:
لأن الطفل الصغير لا يستطيع أن يعرف الآثار التى تترتب على فعله، وذلك لقلة خبرته، فلا نعاقبه إلا بعد تكرار الخطأ وعلينا محاولة إصلاحه بأساليب الثواب، ثم بأساليب العقاب، مع إرشاده للصواب والسلوك البديل.
10ـ هل الاعتذار بديل العقاب؟
من واجبنا أن نعلم الطفل أن يعتذر، وعلينا أن نشجعه على ذلك؛ لأن الاعتذار أمر مهم جداً في منظومة العقاب ، ولكن بعد توقيع العقوبة وليس قبله ، بمعنى أن جزءاً مهماً في توصيل رسالة العقاب التربوية هو الاعتذار ، حتى يترسخ في ذهن الطفل سبب العقاب ، ويكون الاعتذار هو التعبير العملي عن وصول رسالة العقاب إليه .
أي أنه عرف خطأه ولذلك يعتذر عنه ؛ وقد دفع ثمن هذا الخطأ ، وهذا ما لا يحدث في حالة الاعتذار قبل وقوع العقاب ، وبالتالي لا يصبح لهذا التهديد بالعقاب أو عدم الاستمرار في إنفاذه أي أثر تربوي ، فيعود الطفل لنفس السلوك السيئ .
وأخيراً..
نتذكر أن الولد يعيش دوماً تحت سلطة الكبار، لذا فهو يولي اهتماماَ كبيراً لقضية العدل في معاملة الكبار له، ولذلك فعندما تعاقبه – عزيزي الأب- فعاقبه بدون إهانة، وعاقب واحتفظ له بالإحترام والمحبة، وعندئذ ستصله الرسالة الصحيحة من وراء العقاب العادل.
نقلا عن منتدى حوارات